القائمة الرئيسية

الصفحات

حضرموت تعيد تشكيل الخارطة السياسية في اليمن: نهاية حلم الدولة الجنوبية

 

 


حضرموت تعيد تشكيل الخارطة السياسية في اليمن: نهاية حلم الدولة الجنوبية

المحامي صالح عبدالله باحتيلي النعماني

شهدت الساحة اليمنية في السنوات الأخيرة تحولات جوهرية في أولويات القوى السياسية، وفي القلب من هذه التحولات برزت قضية حضرموت بوصفها متغيرًا استراتيجيًا أعاد ترتيب المشهد السياسي بأكمله، ليس فقط على صعيد الجنوب، بل على مستوى الجمهورية اليمنية برمتها.

 

ففي الوقت الذي كانت فيه بعض القوى الجنوبية، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي، تسعى لفرض مشروع "الدولة الجنوبية المستقلة" انطلاقًا من عدن، كانت حضرموت تسير في اتجاه مغاير تمامًا، واضعة نصب أعينها هدف الحكم الذاتي، مع تطلعات متقدمة نحو حق تقرير المصير. وبدا واضحًا أن الحراك الشعبي الحضرمي، المستند إلى إرث حضاري وهوية مستقلة، أصبح هو الأكثر تماسكًا وتنظيمًا، بل والأقرب إلى تحقيق إنجازات سياسية على الأرض.

 

في هذا السياق، أصبح جليًا أن حضرموت، بموقعها الجغرافي وثرواتها الطبيعية وبنيتها الاجتماعية المستقرة نسبيًا، المؤهل الوحيد حاليًا لقيام كيان سياسي منظم ومستقر. بينما على الجانب الآخر، تراجعت أسهم المجلس الانتقالي الجنوبي، ليس فقط بسبب إخفاقه في تحقيق تطلعات الجنوبيين، ولكن أيضًا نتيجة الفساد المستشري داخل مؤسساته، وتصدعاته الداخلية التي أفضت إلى انشقاقات وخروج عدد كبير من قياداته المؤثرة.

 

الهجوم السياسي والإعلامي المضاد الذي شنه المجلس الانتقالي ضد حراك حضرموت لم يكن كافيًا لوقف الزخم المتزايد لهذا الحراك، بل على العكس، زاد من تماسكه وشعبيته. إذ برزت إرادة حضرمية قوية، شبه أسطورية، للانفصال عن تبعية الجنوب، وتأكيد على خصوصية حضرموت ككيان له تاريخ وهوية ومطالب تختلف عن الرؤية العامة للمجلس الانتقالي.

 

وبات واضحًا أن مشروع الدولة الجنوبية المستقلة يواجه تآكلًا داخليًا متسارعًا، إذ فقد المجلس الانتقالي الكثير من شرعيته الشعبية، لا سيما في المحافظات الجنوبية غير الراضية عن أدائه، فيما حضرموت تقترب من تحقيق مشروعها السياسي المستقل وعيونها على حق تقرير المصير.

 

وبالنظر إلى مجمل التطورات، يمكن القول إن حضرموت لم تعد مجرد محافظة هامشية في المشهد اليمني، بل أصبحت لاعبة رئيسية أعادت ضبط البوصلة السياسية باتجاه مسار أكثر اتزاناً وواقعية. لقد تحوّلت إلى نقطة التوازن الجديدة التي لا يمكن تجاوزها في أي تسوية سياسية قادمة. في غياب حضرموت، تضعف إمكانية تحقيق مشروع الدولة الجنوبية، وتبدو فرص المجلس الانتقالي محدودة، بحيث قد لا يجد أمامه سوى خيار القبول بصيغة فيدرالية داخل إطار الجمهورية اليمنية، وهو ما كان يعده سابقاً تراجعاً عن أهدافه.

 

في نهاية المطاف، حضرموت تجاوزت كونها مجرد مساحة جغرافية؛ إنها اليوم عقل التغيير السياسي في اليمن وروحه. استطاعت أن تفرض وجودها كقوة ناعمة، بخطاب وطني جامع، ومطالب مدنية تعبّر عن جوهر الدولة الحديثة، ما يجعلها حجر الزاوية في أي مستقبل سياسي مستقر وشامل للبلاد.

المحامي صالح عبدالله باحتيلي النعماني

 

 

 

 

 

 

 

author-img
هذه مؤسسة تهدف إلى حماية وتعزيز حقوق الإنسان واحترامها ونشر ثقافتها طبقاً للمعايير الدولية

تعليقات

مواضيع ذات صلة
التنقل السريع