حضرموت... هوية وطن لا تقبل الانصهار ولا التبعية
المحامي صالح باحتيلي النعماني_ محام مترافع امام المحكمة العليا
حضرموت ليست
جنوبية، وليست شمالية، بل هي كيان ضارب بجذوره في عمق التاريخ، ووجدان يمتلك من
الوعي والرصيد الحضاري ما يجعله فوق أي اصطفاف جغرافي أو سياسي. إنها حضارة ممتدة،
وهوية مستقلة، ومجتمع يرفض أن يكون تابعًا أو ملحقًا بأي مشروع لا ينطلق من مصالحه
وهويته الخاصة.
لقد دفعت
حضرموت، عبر العقود، أثمانًا باهظة نتيجة خضوعها لأنظمة مركزية لم تعكس تطلعات
أبنائها، ولم تحترم خصوصيتها الثقافية والتاريخية والسياسية. فقد كانت المركزية
القادمة من صنعاء، تحت شعار "الوحدة"، أداة لتهميش القرار المحلي وسلب
الموارد، حيث مورست سياسات الإقصاء والتذويب في كيان أكبر لم يُنصفها ولم يمنحها
حقّها كشريك حقيقي في بناء الدولة، ولم يتوقف هذا المسار عند صنعاء، بل تجدد اليوم
من عدن، للمرة الثانية بعد ستين عاما من الشمولية
المذلة، تحت حكم "الجنوب"، وكأن دروس الماضي لم تُقرأ،
أو أن معاناة حضرموت لا تُرى. تحاول بعض القوى فرض وصاية جديدة، وتكرار نمط مركزي
آخر، لا يختلف كثيرًا عن سابقه، سوى في الجغرافيا والشعارات.
لكن حضرموت،
بتاريخها العريق ووعي أبنائها المتزايد، لم تعد تلك الأرض القابلة للتهميش أو
التجاهل. لقد بات واضحًا أنها تقف الآن على مفترق طرق تاريخي، يتطلب منها أن تعيد
صياغة معادلتها السياسية، وأن ترفض كل أشكال التبعية، شمالًا كانت أم جنوبًا.
إن الخلاص
الحقيقي لحضرموت يكمن في ذاتها: في وعيها الجمعي الذي يتشكل يومًا بعد يوم، في
إرادتها الحرة التي بدأت تتبلور، وفي قرارها المستقل الذي يجب أن ينبثق من
أبنائها، لا من سواهم.
حضرموت اليوم
مطالبة بأن تقول كلمتها، لا بالنيابة عن أحد، بل بصوتها هي، وبمشروعها هي، الذي
يليق بمكانتها، ويحترم حقها في تقرير مصيرها. لقد آن الأوان لأن يُكتب تاريخ جديد،
يكون عنوانه: حضرموت لأهلها، بقرارهم، وبإرادتهم الحرة.
وسط هذا الواقع
المتغير، تبرز قوى حضرمية منظمة وواعية، تعمل بخطى حثيثة نحو مشروع وطني خالص،
مشروع يُنقذ حضرموت من عبث الأطراف المتصارعة، ويعيد لها حقها في إدارة شؤونها
بنفسها، بدءًا بإعلان الحكم الذاتي كمرحلة انتقالية، ووصولاً إلى حق تقرير المصير
وفق ما يكفله القانون الدولي، والتاريخ، والمنطق.
يقود هذا الحراك
مؤتمر حضرموت الجامع و حلف حضرموت، وقد أظهرا قدرة عالية على التنظيم والتواصل
المجتمعي، من خلال عقد اللقاءات الموسعة، والمؤتمرات المستمرة، وفتح المكاتب
التنظيمية في كل مديريات حضرموت، بما يعكس روح الانفتاح على كل الطيف الحضرمي دون
إقصاء أو تهميش.
بل إن الرؤية
الحضرمية لا تُبنى على العاطفة فقط، بل ترتكز على المعرفة والخبرة. ولهذا، فقد تم
إطلاق **منصة رقمية تفاعلية تستقبل آراء الأكاديميين، وأبحاث الخبراء، ومقترحات
أبناء حضرموت من الداخل والمهجر، لصياغة مشروع حكم وإدارة يقوم على أسس علمية،
يعكس التعدد، ويؤسس لمستقبل مزدهر.
حضرموت اليوم لن
تترك مجال للبقاء في التبعية، بل تفتح نوافذ الاستقلال، وتقول للعالم بصوت واحد:
لسنا مع الشمال ولا الجنوب، نحن مع حضرموت. نحن مشروع وطن، لا ساحة نفوذ. نحن
قرار، لا تابع. نحن هوية، لا هامش.
إنها لحظة
استثنائية في تاريخ حضرموت، لحظة تجاوز الشعارات إلى الفعل، والتاريخ إلى
المستقبل. وإذا كانت كل الشعوب الحرة قد عاشت لحظة مماثلة صنعت من خلالها خلاصها،
فإن حضرموت اليوم تصنع لحظتها بوعي وإرادة وحنكة سياسية لا تخطئ الطريق.حضرموت اليوم تقولها بوضوح، لن تُدار من صنعاء ولا من عدن، ولن تُختزل في
صراعات لا تخصها.حضرموت مشروع وطن مكتمل، يستحق أن
يُمنح فرصته كاملة في الاختيار، القرار، والمصير.
المحامي صالح
عبدالله باحتيلي

تعليقات
إرسال تعليق