المحامي صالح عبدالله باحتيلي النعماني
أن التهديد المفترض الذي يشكّله المجلس
الانتقالي على الوحدة أو على مشروع حضرموت كقوة صاعدة، مبالغ فيه لدى كثير من
المراقبين، فهو بلا شك لايشكل خطرا على الوحدة اليمنية اطلاقا، ولا يشكل خطرا على
توجه حضرموت الذي يسير نحو الحكم الذاتي ونحو
طرد الجنوب من ذاكرتها التاريخية و السياسية . وعلى مستوى العمل التنظيمي
لايوجد ترابط وثيق بين قيادات المجلس الانتقالي ، فكلا منها يعمل بكل ما اوتي من
قوة لازاحة الأقرب، او من يرى انه سيتقدم عليه ، على كل المستويات من القمة الى
القواعد ، وهي شهادة عن تجربة خاصة ، فهم يتضاهرون انهم يقدمون بعضهم البعض
ويشيدون ببعضهم البعض لدى الصف الاول ، كل ذلك كذبا وخداعا ، فكل منهم يريد هلاك
الاخر . اذا المحصلة النهائية هي ان لاخوف على اليمن من المجلس الانتقالي ، فهو
مجرد اداة لتجويع الجنوبيين ، ولا خوف على قضية حضرموت ، فصراخ الانتقالي ليس الا
ضاهرة صوتية وانعكاسا لموروث ثقافي ماركسي متوغل في نفوسهم ، لم يتقبل بعد فكرة ان
العالم قد تغير ، وان تلك الافكار غير منطقية من اللحظة الأولى، ابتدا عندما
اعلنوا ضرورة رفع النجمة الحمراء على الكعبة المشرفة تحت شعار الثورة الحمراء، وانتهاء بقتال حضرموت
العضمى لرفع النجمة الحمرا على منابع النفط ، تحت شعار الوحدة او الموت والفرع
يتبع الاصل.
هذا الواقع أفرز أيضاً ديناميكيات
مواجهة داخلية ذات طابع سياسي ومالي: السلطة الشرعية لا تبدو مرعوبة بالضرورة من
المجلس الانتقالي باعتباره خصماً قادراً على الإطاحة بها، بل على العكس تبدو في
حوزتها ملفات حسَّاسة ومعلومات قد تُستخدم كأداة ضغط على المجلس الانتقالي، خاصة
فيما يتعلق بملفات الاستحواذ على المساعدات الخارجية وتحويلها إلى أغراض غير
معلنة، والتدمير المتعمّد والممنهج للبنية التحتية في الجنوب التي انتهجها المجلس
الانتقالي لتحريض الناس ضد السلطة الشرعية ، وتحويل دعم الكهرباء والوقود لصالح
احتياجات عسكرية. وبالتالي، تتبدى علاقة الطرفين أحياناً وكأنها شراكة في شبكة
مصالح متشابكة أكثر منها تنافساً واضحاً على أجندة وطنية صافية.
أما على صعيد الهيكل التنظيمي الداخلي
للمجلس، فتبدو الأمور غير مترابطة مركزياً كما ينبغي أن تكون في حركة سياسية
متماسكة. فالشهادات الميدانية وتجارب عدد من المراقبين تشير إلى أن القمم القيادية
لا تعمل دائماً كخلية متجانسة بل ينحو كل فصيل أو قائد إلى تعزيز موقعه عبر إقصاء
الأقرب منه، وفي هذه المنافسات الداخلية تُصبح سبل التعاون المتظاهر بها في العلن
وسيلة لتغطية صراعات على النفوذ داخل الطبقة الحاكمة نفسها. هذا التمزق المؤسسي
ينعكس سلباً على الفاعلية العامة للقيادة ويزيد من تكريس منطق المصالح الضيقة .
وعلى مستوى السلوك القيادي، تُثار
أسئلة جدية عن نمط التصرف: أساليب إدارة مالية تُشبه في ممارساتها ما يُوصَف
أحياناً بالتحكّم بوسائل النفوذ عبر المال، بالسير على النموذج اليهودي بالقبض على
المال لكن بعقلية القروي، فتلك الأموال هي مخصصات الوقود والدعم الخليجي للحالة
المعيشية للشعب الجائع، وليست للاستثمار السياسي، أو إقامة هياكل مصرفية وكيانات
تجارية خاصة تخدم شبكات تقارب النفوذ والثراء داخل نخبة محدودة. فهذه الممارسات لا
تبقى في إطار الاقتصاد السياسي الاعتيادي، بل تتحوّل إلى آليات للسيطرة على موارد
المجتمع وإضعاف قدرته على الاعتماد على مؤسسات عامة شفافة. وفي ظل تغطية إعلامية
ممنهجة أو مدروسة، تُشيَّد حول بعض الوجوه هالة من البطولة المزعومة، يُوظفها
البعض لترميم صورة علنية تخفي عمليات السطو والنهب والارتزاق المتبادل على الموارد
المخصصة لإغاثة الشعب.
على مدى سنوات لم تكن التحويلات
المالية الهائلة التي تلقاها الجنوب من دول الخليج مجرد مساعدات آنية مرتَّبة على
مدار الأزمة، بل وفرت فرصة استثنائية لإعادة بناء دولة من الصفر. وكان من الممكن
بهذه الأموال أن تُؤسِّس بنية تحتية مستقرة، وتصلح شبكات الكهرباء والمياه، وتنهض
بالخدمات العامة، وتخفف من معاناة المواطن. لكن ما حصل فعلياً يثير الاستغراب
والمرارة: فقد انحرفت كل هذه الموارد عن أهدافها التنموية لتتلاشى ضمن شبكات مصالح
مغلقة ومستفيدة داخل دوائر قريبة من صفوف القيادة في المجلس الانتقالي. وفي الوقت
الذي يتخبّط فيه الناس يومياً في انقطاع الكهرباء و انهيار الخدمات وارتفاع
الأسعار إلى مستويات باتت تجعل من تأمين مقومات الحياة أمراً عسيراً، تبدو الطبقة
القيادية في حالة من الانفصال عن معاناة الناس، بل وتردُّ على الاحتجاجات بشعارات
جاهزة تبرّر الوضع وتحوّله إلى رواية انه من أفعال الشرعية أو مؤامرة الشمال ضد
الجنوب.
المشهد أكثر تعقيداً عندما تُقارن هذه
المقولات بالحقائق الحياتية على الأرض: منها تبديد مخصصات وقود الكهربا لانشطة
عسكرية تافهة، والاستيلاء على الأموال
التي كان يفترض أن تمول مشاريع كهرباء لتاسيس مصارف خاصة، يشير كثيرون إلى أنه تم
انفاق أجزاءً من تلك الأموال على عمليات عسكرية وهمية ، بمعنى تحويل الدعم إلى
غطاء لآلة سياسية وعسكرية بمعارك وهمية، كمعركة نيويورك، بدلاً من أن تكون تلك الأموال
وقوداً لتنمية ورفاهية المواطنين. وفي ظل هذه الوقائع، باتت عبارة أن الأمر “حرب
الشمال على الجنوب” أو “مؤامرة الدولة العميقة” تَجرَّد من كثير من مصداقيتها لدى
شريحة واسعة من السكان الذين يرون أن المشكلة الأساسية قائمة داخلية وليست كما
يذاع.
ملحق -
رغم كل الضجيج السياسي والإعلامي الذي يثيره المجلس الانتقالي الجنوبي، ورغم ما يطرحه من شعارات تدعو إلى الانفصال أو إلى إعادة صياغة المشهد السياسي في الجنوب وفق رؤيته الخاصة، فإن القراءة العميقة للواقع تكشف أن المجلس لا يشكّل خطراً حقيقياً على الوحدة اليمنية. فالمجلس، في بنيته التنظيمية وأدائه الميداني، يعاني من انقسامات داخلية وصراعات على النفوذ بين قياداته، وفوضى فساد ليس لها حدود، تجاوزت فساد الحكومات اليمنية السابقة الأمر الذي يضعف قدرته على صياغة مشروع وطني متماسك يمكنه مواجهة التحديات الكبرى أو فرض أمر واقع دائم.
وعلى المستوى الإقليمي والدولي، لا يحظى المجلس باعتراف على الاطلاق يجعله قادراً على فرض مشروع الانفصال في ظل تعقيدات المشهد اليمني وتشابك المصالح الدولية في المنطقة. الدعم الذي يحصل عليه من بعض الأطراف الإقليمية يظل مرتبطاً بحسابات آنية ومصالح ظرفية، وليس مشروعاً استراتيجياً مفتوحاً. ومع غياب الاعتراف الدولي الواضح، يبقى سقف المجلس محصوراً في كونه لاعباً محلياً ضمن لعبة النفوذ لا أكثر.
أما داخلياً، فإن المواطن الجنوبي الذي يعيش أزمات الكهرباء والوقود والغلاء وانهيار الخدمات، بات ينظر بعين الريبة إلى شعارات المجلس التي تُرفع في العلن، بينما تتبدّد المليارات التي تدفقت من الخارج في شبكات مصالح مغلقة بدلاً من إعادة بناء مؤسسات الدولة. هذا التناقض بين الخطاب السياسي والواقع المعيشي يُفقد المجلس كثيراً من مصداقيته، ويجعله عاجزاً عن تجنيد التفاف شعبي واسع حول مشاريعه .
من هنا، يمكن القول إن المجلس
الانتقالي الجنوبي ليس خطراً على الوحدة الوطنية بقدر ما هو انعكاس لأزمة داخلية
في الجنوب، تتغذى من الفساد والصراع على الموارد وتداخل النفوذ الإقليمي. فهو يظل
أداة ضغط مؤقتة في مسار الأزمة اليمنية، أكثر من كونه مشروعاً حقيقياً يهدد كيان
الدولة اليمنية أو مستقبل وحدتها.
في خضم الصراع على النفوذ والثروة،
يبرز الموقف الحضرمي كعامل مفصلي في رسم مستقبل الجنوب. فحضرموت، بتاريخها العريق
وموقعها الاستراتيجي وثقلها الاقتصادي والبشري، لا ترى نفسها مجرد امتداد جغرافي
يُدار من عدن أو من أي مركز سياسي آخر. لقد أثبتت التجارب الماضية أن حضرموت لم
تقبل أن تُزج في صراعات الجنوب الداخلية، ولا أن تتحول إلى ورقة بيد المجلس
الانتقالي الذي يسعى لإعادة إنتاج دولة مناطقية تقوم على الولاءات الضيقة
والأسرية.
رفض حضرموت بشكل قاطع مشروع "البقاء في الجنوب" تحت هيمنة المجلس الانتقالي، لأنها تدرك أن ذلك يعني العودة إلى أنماط الإقصاء والتهميش القديمة التي دفعت ثمنها في مراحل مختلفة من تاريخها. كما أنها لا ترى في شعارات الانتقالي سوى امتدادٍ لثقافة صراعية لا تتناسب مع طبيعة المجتمع الحضرمي القائم على الاستقرار والانفتاح والاعتدال.
في المقابل، يتمسك الحضرميون بمشروع الحكم الذاتي كخيار استراتيجي يضمن لهم إدارة شؤونهم بأنفسهم، والتحكم بمواردهم الغنية، وتحديد أولوياتهم بعيداً عن تجاذبات الجنوب أو الشمال. هذا التوجه يعكس ليس فقط إرادة سياسية متنامية داخل حضرموت، بل أيضاً وعياً متقدماً بأهمية صياغة نموذج حكم عصري يتناسب مع طبيعتها وتطلعات أبنائها.
إن حضرموت – بما تمثله من ثقل اقتصادي
واجتماعي وثقافي – لا يمكن اختزالها في معادلات المجلس الانتقالي أو أي قوى جنوبية
أخرى. فهي ترفض الانجرار وراء مشاريع لا تحمل لها سوى المزيد من الفوضى والتبعية،
وتصرّ على أن مستقبلها يجب أن يُبنى على أسس الشراكة والندية، لا على الخضوع
والإلحاق. ومن هنا، يصبح واضحاً أن أي معادلة سياسية مستقبلية في اليمن لن تكون
مكتملة دون الاعتراف بحق حضرموت في الحكم الذاتي ثم تقرير المصير كخيار استراتيجي
لا رجعة عنه.
المحامي صالح عبدالله باحتيلي النعماني
.jpg)
تعليقات
إرسال تعليق