القائمة الرئيسية

الصفحات

حضرموت تحسم أمرها: بين الحكم الذاتي وتقرير المصير

 


حضرموت تحسم أمرها: بين الحكم الذاتي وتقرير المصير

المحامي صالح باحتيلي النعماني محام مترافع امام المحكمة العليا 

لم تعد حضرموت تلك الجغرافيا الصامتة التي تُجرّ خلف مشاريع الآخرين وتُختزل في هامش القرار. لقد اتخذت قرارها التاريخي، قرار الحكم الذاتي تمهيدًا لتقرير المصير، وبهذا تكون قد وضعت حدًا لمرحلة الالتباس السياسي، وأعلنت بوضوح أنها لن تكون جزءًا من جنوب اليمن، كما أنها ترفض أن تُختزل ضمن مشروع الشمال.

إنها لحظة وعي تاريخي، ولحظة انعتاق حضرمية طال انتظارها. من هذه الأرض التي ظلت عبر التاريخ تحمل ملامح دولة وشخصية مستقلة، تُعلن اليوم أن ما بعد الآن ليس كما قبله، وأن قضيتها ليست سوى قضيتها، لا ترتبط بمصالح صنعاء ولا بأحلام عدن.

على الجنوب، الذي ما زال يتأرجح بين شعار التحرير ومصالح النخب، أن يواجه قضيته بنفسه، وأن يحلّ أزمته مع اليمن وفق معادلة خاصة به، دون استدعاء حضرموت لتكون درعًا أو حطبًا في معارك لا تعنيها. لقد انتهى زمن الاستتباع، وبدأ زمن الاختيارات الجريئة.

صحيح أن فترة "الفطام" السياسي ستكون مؤلمة جدا ؛ فالقوى القديمة، سواء في الشمال أو الجنوب، لن تصحوا من هول الصدمة  بسهولة، لذلك ستقاوم الفطام  بصورة هستيرية، وسيكون خروج حضرموت من تحت عباءتها أشد ايلاما. و لن تجدِ نفعًا محاولات الانتقام ، لأن القرار هذه المرة نابع من إرادة حضرمية داخلية، مدعومة برؤية واستراتيجية بعيدة عن العواطف والانفعالات.

المرحلة القادمة ستكون بلا شك أكثر إيلامًا للورثة تلاميذ ماركس. وكذلك للتيارات المتشددة في الجنوب، التي ما زالت تحلم بجغرافيا موحدة تحت قبضتها، وتتغافل عن حقائق الواقع الجديدة.

إن تقدم قضية حضرموت سيضع هؤلاء أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بالبقاء ضمن الجمهورية اليمنية، أو الانزواء في زوايا الذاكرة الثورية، يشاهدون من بعيد مشروعًا حضرميًا يتقدّم بثبات، وينمو على أرضية سياسية مستقرة، واقتصاد يُبنى على الموارد والحوكمة لا على الشعارات.

إنها نهاية مأساوية فعلًا لحلمٍ تلاميذ ماركس ، الذين ارادوا أن يُلبسوا حضرموت عباءة لا تشبهها. لكن، كم سيكون مريحا لهم  لو تقبّلوا هذه النهاية  المؤلمة بروح ماركسية حمراء، تؤمن بالتاريخ وديالكتيكه، وتفهم أن لكل شعب حقه في أن يرسم طريقه، ويُعرّف نفسه بنفسه، ولو خالف "أحلام الرفاق".


author-img
هذه مؤسسة تهدف إلى حماية وتعزيز حقوق الإنسان واحترامها ونشر ثقافتها طبقاً للمعايير الدولية

تعليقات

مواضيع ذات صلة
التنقل السريع