القائمة الرئيسية

الصفحات

مشرفي حوثيين الجنوب على حضرموت



 مشرفي حوثيين الجنوب على حضرموت


في تطوّر غير مسبوق ينذر بعواقب وخيمة، تتجلّى ملامح الوجه الحقيقي القبيح للمشروع المناطقي الذي يتبنّاه المجلس الانتقالي، كاشفاً عن طبيعته الإقصائية وبرامجه التي يهدف من خلالها الى ضرب النسيج الاجتماعي ومستقبل حضرموت واستقرارها ، قبل شهر اعلنت حضرموت رفضاها لنظام مشرفين الحوثيين الجنوبيين ، بعد صدور قرار هيئة الرئاسة الأسبوع الماضي بتكليف يحيى غالب الشعيبي "من أبناء الضالع" عضو مجلس رئاسة الانتقالي، مشرفاً ومسؤولاً ، ومقيماً لأداء السلطة المحلية بحضرموت(وصاية ). كما تم تعيين الدكتور عيدروس اليهري "من أبناء يافع" عضو هيئة رئاسة المجلس، مشرفاً ومسؤولاً عن هيئة جامعة حضرموت لمدة سنة.(وصاية). ومنذ ذلك الحين مازال مشرفي الضالع يصولون ويجولون بحضرموت ويرون انفسهم انهم المتحكم الرسمي في حضرموت .
الحضارم اعتبروا ذلك اعلان لحالة العداء والبدء ببرنامج استعباد، وفي نفس الوقت اعتبروة اسلوب سخيف يوحد الحضارم ويقرب حضرموت الى تحقيق اهدافها في الحكم الذاتي ثم تقرير المصير .
ومن خلال هذه القرارات يتضح، وبما لا يترك أي مجال للشك، أن المجلس الانتقالي ليس مشروعاً وطنياً جامعاً كما يدّعي، بل هو مشروع مناطقي صرف يقوم على النزعة الإقصائية والتحكّم. فخطابه وممارساته تكشف أنه لا يؤمن بالشراكة التي يخدع بها الناس أو الندية أو العدالة أو المساواة، وإنما يسعى إلى فرض هيمنته ومد نفوذه على حضرموت تحت غطاء السيطرة والضم والوصاية. إنه لا يرى في أبناء حضرموت شركاء في القرار، بل مجرد أتباع وموظفين لخدمة مشروع ضيق الأفق، قروي النزعة، يهدد امن المنطقة ، ويقوّض أسس التعايش السلمي بين حضرموت وجيرانها الجنوبيين

انتبه. لم تعد حضرموت تلك الجغرافيا الصامتة التي تُجرّ خلف مشاريع الآخرين وتُختزل في هامش القرار. لقد اتخذت قرارها التاريخي، قرار الحكم الذاتي تمهيدًا لتقرير المصير، وبهذا تكون قد وضعت حدًا لمرحلة الالتباس السياسي، وأعلنت بوضوح أنها لن تكون جزءًا من جنوب اليمن، كما أنها ترفض أن تُختزل ضمن مشروع الشمال.

إنها لحظة وعي تاريخي، ولحظة انعتاق حضرمية طال انتظارها. من هذه الأرض التي ظلت عبر التاريخ تحمل ملامح دولة وشخصية مستقلة، تُعلن اليوم أن ما بعد الآن ليس كما قبله، وأن قضيتها ليست سوى قضيتها، لا ترتبط بمصالح صنعاء ولا بأحلام عدن.

على الجنوب، الذي ما زال يتأرجح بين شعار التحرير ومصالح النخب، أن يواجه قضيته بنفسه، وأن يحلّ أزمته مع اليمن وفق معادلة خاصة به، دون استدعاء حضرموت لتكون درعًا أو حطبًا في معارك لا تعنيها. لقد انتهى زمن الاستتباع، وبدأ زمن الاختيارات الجريئة.

صحيح أن فترة "الفطام" السياسي ستكون مؤلمة جدا ؛ فالقوى القديمة، سواء في الشمال أو الجنوب، لن تصحوا من هول الصدمة  بسهولة، لذلك ستقاوم الفطام  بصورة هستيرية، وسيكون خروج حضرموت من تحت عباءتها أشد ايلاما. و لن تجدِ نفعًا محاولات الانتقام ، لأن القرار هذه المرة نابع من إرادة حضرمية داخلية، مدعومة برؤية واستراتيجية بعيدة عن العواطف والانفعالات.

المرحلة القادمة ستكون بلا شك أكثر إيلامًا للورثة تلاميذ ماركس. وكذلك للتيارات المتشددة في الجنوب، التي ما زالت تحلم بجغرافيا موحدة تحت قبضتها، وتتغافل عن حقائق الواقع الجديدة.

إن تقدم قضية حضرموت سيضع هؤلاء أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بالبقاء ضمن الجمهورية اليمنية، أو الانزواء في زوايا الذاكرة الثورية، يشاهدون من بعيد مشروعًا حضرميًا يتقدّم بثبات، وينمو على أرضية سياسية مستقرة، واقتصاد يُبنى على الموارد والحوكمة لا على الشعارات.

إنها نهاية مأساوية فعلًا لحلمٍ تلاميذ ماركس ، الذين ارادوا أن يُلبسوا حضرموت عباءة لا تشبهها. لكن، كم سيكون مريحا لهم  لو تقبّلوا هذه النهاية  المؤلمة بروح ماركسية حمراء، تؤمن بالتاريخ وديالكتيكه، وتفهم أن لكل شعب حقه في أن يرسم طريقه، ويُعرّف نفسه بنفسه، ولو خالف "أحلام الرفاق".


author-img
هذه مؤسسة تهدف إلى حماية وتعزيز حقوق الإنسان واحترامها ونشر ثقافتها طبقاً للمعايير الدولية

تعليقات

مواضيع ذات صلة
التنقل السريع